الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة يصلي وفي فيه الدرهم أو في أذنه درهم: قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها بينة المعنى، أما تخفيف ابن القاسم لصلاته بالدرهم يكون في أذنه، فلأن ذلك مما لا يشغله فيها؛ وأما كراهيته لكونه في فيه، فلما في ذلك من اشتغاله به عند قراءته عما يلزمه من الإقبال على صلاته؛ وأما تخفيف مالك لصلاته بالخرقة والوقاية يجعلها على رأسه، فإنما معناه إذا احتاج إلى ذلك ليستدفئ به، أو نحو ذلك، إذ ليس ذلك من الهيئة المستعملة إلا في الخلوة دون الجماعة، وشرط ألا يقصد أن يكفت بذلك شعره من غبار أو غيره، لما جاء من النهي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أن يصلي الرجل- وشعره معقوص. وأجاز أن يصلي الرجل مشمر الكمين- إذا حضرت الصلاة- وهو على تلك الحال، لعمل كان فيه، فيشمر من أجله لما قد يشق عليه في بعض الأحايين من مفارقة شمرته، وتحسين هيئته لصلاته، وكره أن يصلي الرجل في السراويل وحده، إلا ألا يجد غيره، لكونه مكشوف البطن والظهر؛ وقد قال عز وجل: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. وقال عمر بن الخطاب: جمع رجل عليه ثيابه صلى في إزار ورداء في قميص ورداء- الحديث. فحسن الهيئة في اللباس مشروع في الصلاة؛ لأن المصلي يناجي ربه، ويقف بين يدي خالقه؛ فيجب عليه أن يتأهب لذلك، ويتجمل له بتحسين هيئته في لباسه، فإن الله جميل يحب الجمال. وإذا كان الرجل يلتزم ذلك في المجتمعات، وعند الكبراء من الناس، فما بالك بالوقوف بين يدي الله رب الناس. .مسألة المرأة تصلي ورأسها مكشوف ليس عليه خمار ولا مقنعة: قال محمد بن رشد: ساوى بين أن تصلي المرأة بغير خمار، أو تصلي- وعليها خمار رقيق يصف- فيما تؤمر به من الإعادة، لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها»- الحديث. لأنهن إذا لبسن ما يصفهن ولا يسترهن، فهن كاسيات في الفعل والاسم، عاريات في الحكم والمعنى؟ وقال: إنها تعيد إلى اصفرار الشمس، لكون الإعادة عليها مستحبة غير واجبة؛ فأشبهت عنده النافلة، ولذلك لم ير أن يصلى في وقت لا يصلى فيه نافلة، وقد قيل إنها تعيد إلى الغروب. وهذه إحدى المسائل الأربعة التي قد اختلف فيها: فقيل إنها تعيد إلى الغروب، وقيل إلى الاصفرار، والثانية المصلي بنجاسة ولا يعلم، والثالثة المصلي إلى غير القبلة، والرابعة ذاكر صلوات كثيرة قبل أن يصلي الظهر والعصر، فإنه يبدأ بالظهر والعصر، إلا أن يكون إن بدأ بالفوائت التي ذكر، يدرك الظهر والعصر قبل اصفرار الشمس؛ وقيل في هذه قبل ذهاب الوقت المستحب- قاله ابن حبيب، وقد مضى ذلك في سماع سحنون. .مسألة المريض الذي لا يستطيع القراءة ولا التكبير: قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة في الذي لا يستطيع القراءة ولا التكبير من أجل مرضه بإسماع نفسه في موضع السر، ورفع صوته في موضع الجهر- ألا يجهر، ومشقة تلحقه في ذلك، وأما لو كان لا يستطيع أن يحرك لسانه بالتكبير والقراءة، لأجزأته صلاته دون أن يحرك لسانه بشيء من ذلك؛ لأن عدم القدرة على الفروض، مسقط لوجوبها بإجماع؛ قال الله تعالى: {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 233]، وقد مضت في سماع سحنون مسألة من هذا المعنى. .مسألة نزل الماء في عينيه ويؤمر أن يستلقي على ظهره أياما: قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في أول السماع والكلام عليها- موعبا فلا معنى لرده. .مسألة نفر من المرضى مجتمعين في بيت أيجمعون الصلاة في مرضهم: قال محمد بن رشد: لا اختلاف أعرفه في جواز إمامة المريض الذي لا يستطيع القيام- جالسا- بالمرضى الذين لا يستطيعون القيام- جلوسا، وما وقع في رسم استأذن من سماع عيسى لابن القاسم من رواية سحنون عنه- متصلا برواية موسى هذه، من أنه لا يجوز لأحد أن يؤم قاعدا بعد ما كان من فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما معناه في إمامة المريض الجالس بالأصحاء- قياما، فليس بخلاف لرواية موسى، وقد تقدم ذلك هناك؛ وأما إمامة المضطجع المريض بالمضطجعين المرضى، فمنع من ذلك في الرواية، والقياس أن ذلك جائز- إذا اشتدت حالهم، إلا أن يريد أنهم لا يمكنهم الاقتداء به؛ لأنهم لا يفهمون فعله، لأجل اضطجاعه؛ فيكون لذلك وجه، فإن فعل، أجزأته صلاته، وأعاد القوم- قاله يحيى بن عمر، وهو مبين لقول ابن القاسم- والله أعلم. .مسألة صلاة المحموم الذي به الحمى: قال محمد بن رشد: قوله: إن دخل عليه وقت الصلاة والحمى عليه، فأراد أن يؤخرها حتى تنقلع عنه، أن ذلك له إن طمع أن تنقلع عنه- وهو في الوقت، قيل يريد الوقت المستحب: القامة للظهر، والقامتين للعصر، ومغيب الشفق للمغرب، وانتصاف الليل للعشاء الآخر. وقيل يريد أنه يؤخر الظهر والعصر إلى آخر وقت العصر المستحب- وهو القامتان، ويؤخر المغرب والعشاء إلى آخر وقت العشاء المستحب- وهو نصف الليل- وهو الأظهر، وقد وقع في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم، ما ظاهره أن له أن يؤخر المغرب والعشاء من أجل مرضه، فيصليهما جميعا فيما بينه وبين طلوع الفجر- وهو بعيد؛ إلا أن يكون معناه في الوعك الشديد الذي يشبه المغلوب على عقله، فلا يقدر معه على الصلاة؛ وقد ذكرنا ذلك هناك، فهذا ما يحتاج إلى بيانه من هذه المسألة، وسائرها صحيح لا إشكال فيه ولا اختلاف. .مسألة السفر يوم الجمعة بعد الصلاة: قال محمد بن رشد: ما روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- من دعاء الملائكة على من خرج من دار مقامه يوم الجمعة، ليس على ظاهره، إذ لا يجب ترك السفر يوم الجمعة، إلا في الوقت الذي أمر الله بالسعي فيه إليها- حيث يقول: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]؛ لأنه أباح في الآية البيع إلى وقت وجوب السعي، والسفر من أسباب البيع، وقد روى ابن وهب وابن نافع، وابن أبي أويس عن مالك أنه قال: لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم تحضر الجمعة ويفيء الفيء. قال في رواية ابن أبي أويس: وأحب إلي لمن طلع عليه الفجر يوم الجمعة في أهله، ألا يبرح حتى يصلي الجمعة، ومثله في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، فيحتمل أن يكون معنى الحديث من خرج يوم الجمعة من دار مقامه بعد حضور الجمعة، أو قبل ذلك- رغبة عن شهودها، ومعنى قول سعيد بن المسيب السفر يوم الجمعة بعد الصلاة، أي هو الذي يستحب له ويؤمر به، ومعناه في السفر المباح غير المندوب إليه؛ روي عن ابن عباس قال: «بعث النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه؟ فقال: أتخلف فأصلي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ قال له: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال: لو أنفقت ما في الأرض، ما أدركت فضل غدوتهم». .مسألة تصلي الفريضة ومعها ولدها تمسكه في الركوع والسجود ولا تضعه في الأرض: قال محمد بن رشد: قوله: ما أحب لها أن تفعل ذلك، معناه على حب ولديها من غير ضرورة- إلى ذلك. وأما إذا اضطرت إلى ذلك ولم تجد من يكفيها، وأمكن ألا يشغلها عن صلاتها مع ألا تضعه بالأرض في ركوعها وسجودها، فذلك لها جائز أن تفعله- على ظاهر ما قاله مالك في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب، لما جاء في ذلك من الأحاديث، وقد مضى هناك القول فيه، فقف عليه وتدبره. .مسألة صلي ومعه الكيس الكبير وجعله تحت إبطه: قال محمد بن رشد: وقع قول مالك هذا الذي احتج به في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، وهو أصح في المعنى؛ مما في رسم اغتسل منه، لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السجود على سبعة آراب»؛ لأن ذلك إن لم يقتض إيجاب السجود على السبعة الآراب، فهو يقتضي أن ذلك من سنة السجود، والسنة لا يرخص في تركها إلا من ضرورة- وبالله التوفيق. .مسألة إمام مسافر صلى بمسافرين ومقيمين ثم سلم فقدم المقيمون رجلا منهم: قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة فيما مضى من هذا السماع، ونبهنا على ما مضى فيها من الكلام في مواضعه- والحمد لله. .مسألة يصلي في بيته العصر ثم يأتي إلى المسجد فيجد القوم لم يصلوا هل يتنفل: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن «رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس»، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وهذا في النوافل عند مالك، وإنما يعيد العصر في جماعة بعد أن صلاها- وحده بنية الفريضة، ولا يدري أيتهما صلاته؟ ومن جعل الأولى صلاته، والثانية نافلة لا يجيز له إعادة العصر، ولا الصبح في جماعة، إذ لا نافلة بعدهما. .مسألة يصلي فيمر بين يديه حية أو عقرب هل يقتلهما: قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في صدر سماع موسى، والكلام عليه، فلا معنى لإعادته. .مسألة صلى بالناس العصر فلما سلم ذكر أنه لم يكن صلى الظهر: قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم إن خرجت، والكلام عليها، فلا معنى لإعادته. .مسألة يسجد في آخر الأعراف ثم يبتدئ بالأنفال: قال محمد بن رشد: قول ابن وهب وروايته عن مالك في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في النوافل، هو مثل ما في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وقد مضى هناك تحصيل القول في هذه المسألة، فلا معنى لإعادته؛ وقول أشهب هنا: لا أرى ذلك عليه، يقتضي التخيير في ذلك، فهو مثل ما في المدونة. .مسألة الرجل أيصلي بالثوب الحرير: قال محمد بن رشد: قوله: فلا إعادة عليه يريد لا في الوقت ولا في غيره، ولو لم يكن عليه ثوب غيره، لأعاد على مذهبه في الوقت وغيره. وإلى هذا ذهب ابن حبيب، قال: لأنه شبيه بالعريان حين لم يكن عليه في صلاته إلا ما حرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.- وهو قول عيسى بن دينار. وقال سحنون: لو صلى بثوب حرير، وعليه أربعون قطيعة، لأعاد في الوقت، وهو مذهب ابن القاسم؛ وفي كتاب ابن الصابوني: مثله لأشهب، ويأتي بعد هذا في هذا السماع- لابن وهب، وابن الماجشون؛ أنه لا إعادة عليه في وقت ولا غيره، وسواء على مذهبهم كلهم فعل ذلك متعمدا وله ثوب غيره، أو لم يكن له ثوب غيره؛ فجعل ابن القاسم تجنب لباس الحرير للرجال في الصلاة من سنن الصلاة، كتجنب النجاسة فيها، لنهي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عنهما جميعا؛ لأن الصلاة عنده بالثوب الحرير، أخف من الصلاة بالثوب النجس- على قوله وروايته عن مالك في المدونة في الذي له ثوب حرير، وثوب نجس، أنه يصلي بالحرير، ويعيد في الوقت؟ خلافا لأصبغ في قوله: إنه يصلي بالنجس، ويعيد في الوقت، فإن صلى بالحرير لم يعد؛ ولم ير ابن وهب، وابن الماجشون، تجنب لباس الحرير مما يختص بالصلاة، فيكون من سننها أو من فرائضها، فلذلك قالا: إنه لا إعادة على من صلى بثوب حرير، لا في الوقت ولا في غيره؛ وقد قيل في الذي لا يكون له إلا ثوب حرير، إنه يصلي عريانا ولا يصلي بالثوب الحرير؛ روى ذلك أصبغ عن ابن القاسم، وذهب إليه أحمد بن خالد. .مسألة شارب الخمر هل تجوز الصلاة خلفه: قيل له فالذي يعصر الخمر، أيصلي الرجل خلفه؟ قال لا يصلي خلفه، فإن فعل فلا إعادة عليه. قال محمد بن رشد: إنما أوجب الإعادة في الوقت وبعده على من صلى خلف شارب الخمر؛ لأن شارب الخمر فاسق لا تقبل شهادته، والفاسق الذي لا تقبل شهادته لا يؤتمن على ما يجب تقليده فيه من إحضار النية والطهارة، والتوقي من النجاسة، وشبه ذلك؛ مما هو موكول إلى أمانته، ولا أمانة له؛ وقد قيل فيمن ائتم بفاسق إن صلاته جائزة، ويعيد في الوقت استحبابا. وقال أبو بكر الأبهري: إن كان فاسقا بتأويل، أعاد من صلى خلفه في الوقت، وإن كان فاسقا بإجماع، كمن ترك الطهارة عمدا، أو زنى، أو سرق، أو شرب خمرا، أعاد من صلى خلفه أبدا. وقال بعض المتأخرين: إن كان فسقه فيما لا تعلق به بالصلاة- كالزنى، والقتل، والغصب، أعاد في الوقت؛ وإن كان فيما له تعلق بالصلاة، كالطهارة، أو يخل بشيء من فرائض الصلاة مثل أن يفعله- وهو سكران- فيعيد أبدا في الوقت وبعده؛ وجعل عصر الخمر من الذنوب التي لا يخرج بها إلى الفسق، ولا تسقط أمانته، وعلى هذا تجوز شهادته، وهو ظاهر ما في كتاب الرجم من المدونة، إلا أنه يعيد، إلا أن يعذر في ذلك بجهل. .مسألة اغتسل الرجل يوم الجمعة بعد الفجر إذا نوى غسل الجمعة أن يروح به: قال محمد بن رشد: هذا خلاف المشهور في المذهب من أن غسل الجمعة لا يكون إلا متصلا بالرواح، لقول النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل».- فشرط الغسل بالإتيان إلى الجمعة. ومن طريق المعنى أن الغسل إنما شرع في الجمعة للتنظف لها، وإزالة التفل والرائحة التي تكون من العرق، فيتأذى بذلك الناس؛ فإذا اغتسل أول النهار ذهب المعنى الذي كان لأجله الغسل، لاسيما في شدة الحر، وقد روى أبو قرة عن مالك أن غسل الجمعة يجزئ في الفجر وهو شذوذ في المذهب. .مسألة إشارة الرجل في الصلاة ببلى ونعم: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، والأصل في جواز ذلك ما روي «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى قباء فسمعت به الأنصار؟ فجاءوا يسلمون عليه- وهو يصلي، فرد عليهم إشارة بيده». فكأن مالكا لا يرى بأسا أن يرد الرجل إلى الرجل جوابا بالإشارة في الصلاة، وأن يرد إشارة على من سلم عليه ولم يكن يكره شيئا من ذلك؛ وقد روى عنه زياد أنه كره أن يسلم على المصلي، وأن يرد المصلي على من سلم عليه- إشارة بيد، أو برأس، أو بشيء، والحجة لهذه الرواية ما روي في «أن ابن مسعود سلم على النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وهو يصلي، فلم يرد عليه». والأظهر من القولين عند تعارض الأثر من وجوب رد السلام؟ إشارة لقوله عز وجل: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]. وأما إشارة الرجل إلى الرجل في الصلاة ببعض حوائجه فالأولى والأحسن أن يقبل على صلاته ولا يشتغل بشيء من ذلك، إلا أن يكون تركه لذلك سببا لتمادي اشتغال باله في صلاته، فيكون فعله لذلك أولى. .مسألة تفسير قوله عليه الصلاة والسلام إذا دبغ الإهاب فقد طهر: قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم أنه إنما يطهر للانتفاع به، دون الصلاة عليه وبيعه، وقد مضى القول في هذه المسألة مجودا في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الوضوء، فمن أحب الوقوف عليه، تأمله هناك. .مسألة المؤذن هل هو في سعة من أذانه في أن يؤذن في أي حين شاء: قال محمد بن رشد: الأصل في جواز الأذان لصلاة الصبح قبل دخول وقتها عند مالك، وجميع أصحابه، بخلاف سائر الصلوات؛ قوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم». فقيل إن الأذان لها جائز من الليل إذا خرج وقت العشاء، وهو شطر الليل- على ظاهر الحديث: قوله «إن بلالا ينادي بليل». ووجه اختياره في الرواية ألا يكون الأذان لها إلا في السحر قرب الفجر، ما جاء في بعض الآثار عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قالت ولم يكن بينهما إلا مقدار ما ينزل هذا ويصعد هذا. .مسألة صلى في بيته الظهر يوم الجمعة لعلة كانت به ثم أتي المسجد: قال محمد بن رشد: سأله عمن صلى الظهر يوم الجمعة في بيته لعلة كانت به، يريد من مرض، أو شبه ذلك مما يمنعه من شهود الجمعة، ثم ذهبت العلة فأتى المسجد، فأجابه عمن صلى في بيته الظهر يوم الجمعة ولم يذكر لعلة، ثم أتي المسجد؛ فدل ذلك على استواء المسألتين عنده، وأن العلة إن ذهبت في المسألة الأولى؛ فأتى المسجد، فأدرك من صلاة الجمعة ركعة أو أكثر أو ذهب في وقت لو أتى المسجد لأدرك من الصلاة ركعة أو أكثر، بطلت صلاته التي صلى في بيته، ووجب عليه أن يعيد صلاته ظهرا أربعا؛ وأن يصلي مع الإمام- إن جاء، فإن لم يفعل، أو انتقض وضوؤه فيها، وجب عليه أن يعيد صلاته ظهرا أربعا، وأن صلاته وإن وقعت في المسألة الثانية، وقد صلاها على ألا يأتي الجمعة، أو وهو يظن أن الجمعة قد صليت في وقت لو أتى الجمعة لأدركها، أو ركعة منها، فهي باطل، وعليه إعادتها إن لم يأت الجمعة، وأن يصليها مع الإمام إن أتى؛ فإن لم يفعل أو انتقض وضوؤه فيها، أعاد الظهر أربعا. وقد روى ابن وهب عن مالك فيمن ظن أن الصلاة يوم الجمعة قد صليت، فصلاها في بيته ظهرا أربعا ثم مر بالمسجد فوجد الناس لم يصلوا، فجهل فمضى لحاجته ولم يصل معهم، أرجو أن تجزئ عنه صلاته. فعلى هذه الرواية لا تبطل صلاته التي صلى في بيته في المسألتين جميعا- أتى إلى المسجد أولم يأت، وإنما يؤمر أن يصلي مع الإمام إن أتي إلي المسجد- استحبابا؛- لأنه إذا قال إن صلاته التي صلي في بيته، وهو يظن أن الجمعة قد صليت في وقت لو أتى إلى الجمعة لأدركها أو ركعة منها لا تبطل، فأحرى ألا تبطل إذا صلاها في بيته لعلة كانت به من مرض أو شبهه؛ وقد مضت هذه المسألة، وتحصيل الاختلاف فيها في رسم لم يدرك من سماع عيسى؛ وأما إذا صلى في بيته قبل صلاة الإمام في قوت لو مضى إلى الجمعة لم يدركها ولا ركعة منها، فلا تبطل صلاته باتفاق، بمنزلة إذا صلاها بعد صلاة الإمام؛ كما أن المحصر بعدو إذا انكشف عنه الوقت في وقت لا يدرك فيه الحج- وإن كانت أيام الحج لم تنقض، فهو محصور كما لو كانت أيام الحج قد انقضت، على ما في كتاب الحج الثاني من المدونة، وهذا كله بين.
|